المنتدى :
القصص المكتمله
انتظار واعتذار للكاتبة بنت الحمولة
بسم الله الرحمن الرحيم
انتظـــــــار ...واعتـــــــذار ...
الكاتبه : : بنت الحمولة
الجزء الأول
كان أول ما استقبلنا عند خروجنا من بوابة المطار ... لفحات الهواء الدافئة المشبعة بالرطوبة ...وكأنها قبلات دافئة تطبعها مدينتنا الجميلة على وجناتنا... تحمل في طياتها دفء أشعة شمس الغروب ...مرحبة بالقادمين ..ومودعة للراحلين ...
هنا شعرت بأنه لم يعد في إمكاني الانتظار أكثر ...بدأ سيل من الأشواق والحنين ينسكب من حواسي كلها ... والتي كانت في ذات اللحظة تتلقف بلهفة ما يصل إليها من ...روائح ...مناظر ...وجوه ...أصوات ...كم اشتقت لك يا مدينتي الحبيبة .....بل كم اشتقت لك يا وطني الحبيب ... لكل ما فيك ...لأرضك وسماءك وهواءك وماءك ...للناس والشجر والحجر ....للصحراء والجبل ...
آآآآه ما أصعب فراق الأوطان والأحباب...
في السيارة التفت إلي زوجي باسما :استرخي قليلا ..اهدئي ...
رددت وأنا أحرك قدمي بضربات سريعة وخفيفة : والله مشتاقة ....مشتاقة لكل شئ ...ولها بالأخص كم ستفرح بمفاجئتي هذه ..هههههه
إنسابت السيارة التي استأجرها زوجي وسط الزحام ...
الزحام وتشابك السير من أهم معالم مدينتنا ...
بنفاذ صبر قلت : يووووووووووه سنتأخر ....
اكتفى بابتسامة وهز رأسه دلالة على رفضه لتذمري ....
زحمة وتشابك بالسير في الخارج ....
وزحمة وتشابك أخر بداخلي ولكنه في ذكرياتي ومشاعري التي انهالت علي دفعة واحدة وكأنها ما عادت تطيق الصبر والأنتظار ..
صور ومناظر ..مشاعر وأحاسيس.....
في كل صورة مرت أمامي كانت هي تحتل الجزء الأكبر منها .... ضاحكة أو عابسة ..فرحة ...قلقة ...مهنئة ..مواسية ...محذرة ....مرشدة ...أم ...أب ..أخت ...صديقة ..عمة ...خالة ...
استفقت من ذكرياتي على صوته : ها قد وصلنا ....
رفعت رأسي بفرحة ...,كأنني غير مصدقة .. وهممت بالنزول ..
جاءني صوته محذرا : ستبقين ساعتين فقط ...سنبات في الفندق الليلة ...لا شئ سيغير خطتنا ...سنحتفل الليلة بمرور عام على زواجنا ..
قلت له وأنا أمد يدي لأفتح الباب : ساعتين لا تكفي ...
في لحظة أقفل الأبواب أوتوماتيكيا وهو يقول : أين الاتفاق ؟ من الآن بدأت تنقضينه ؟
نظرت إليه وعيني تحمل كل معاني الحب والطاعة : أمرك يا عمري ...بس ساعتين ما تكفي بعد غيبة سنة ...أقول لك أحنا أمامنا الليل كله إلا العمر كله إن شاء الله ... خلينا على القليلة للساعة 12 مساء مثل سندريلا ...هههههههههه
قال مستسلماً : دائما بسمتك تغلب إصراري وعزمي ..بس لا تنسين لديك شهر كامل تقضينه معها... الليلة سنحتفل !!
ردي كان ابتسامة حب ورضى
أخذت اصعد درجات المبنى بخطوات قافزة ... لعلي أخفف بقفزاتي أشواقي ..ولهفتي لرؤيتها ....
يووووووووه أيتها الدرجات ....كم لعبت على أعتابك ...كم قفزت وركضت صاعدة وهابطة ....ذاهبة وعائدة من وإلى المدرسة ... الجامعة .....السوق ...
في هبوطي كانت ترافقني ( فهي تذهب معي لعملها )ويدها تًمسك بيدي لتحد من اندفاعي وهي تقول بسمة : على مهلك ...لا تستعجلي
وفي صعودي كانت تقف على بسطة السلم العليا رفيف نبضات قلبها ودعواتها تحيط بي : بسمة بسم الله عليك... على مهلك ...
وقفت عند بسطة الدور الثاني متذكرة آخر مرة نزلت فيها هذه الدرجات وكانت هي أعلاها تودعني بإبتسامة مغتصبة ودموع ملآت عينيها ودعوات أحاطت بي ...كان ذلك في اليوم الثاني لزواجي
وبعدها سافرت مع زوجي للخارج ببعثة دراسية ...أكمل أنا دراسة الماجستير وهو دراسة الدكتوراة ....
وصلت إلي باب الشقة ...وكانت لهفتي قد وصلت مداها ...
وقفت أمام الباب ...استجمع أنفاسي ....وطرقت الباب ....
فتحت عائشة الباب وما أن رأتني حتى صاحت وهي تضمني : بسمة ...يسمة
عائشة <<< خادمتنا منذ عشرين عام ...
قلت لها وأنا أرد لها تحيتها : اشششششششش ...شوي ..شوي ....كيف حالك ؟
وأكملت هامسة....أين عمة ؟
عائشة وهي متعجبة : عمة ؟!!.. أنت ما تعرفي ....هي فين ؟
كنت قد توسطت الصالة متجهة إلى صومعة عمتي هذا الاسم الذي كنت أطلقه على غرفتها ...
التفت وأنا أشد عجباً منها : لا ...هي فين ؟
رفعت عائشة كتفيها وهي تهز رأسها وتشير بيديها قائلة : سافرت !!
شعرت أن الدنيا أظلمت فجأة بعيني تهاويت بخيبة أمل على أقرب مقعد بجواري :سافرت ؟ وين سافرت ؟
عائشة وهي تقترب مني مواسية : ما أعرف ؟
سألتها : متى سافرت ؟
عائشة : من ثلاثة أيام
لم أتوقع هذا ابدًا ؟؟؟وبعد ان تمالكت نفسي واسترجعت شتاتها ...
أمسكت الهاتف ...وبدأت اتصل في أبي و أعمامي الثلاثة اسألهم عنها ....
لم يكن أحد منهم يعرف عنها شئ .....
اتصلت على عمتي سعاد في الدمام ....لم تكن هي أيضاً تعلم عنها شئ !!!
اتصلت على هاتفها النقال ...وكانت الرسالة التي تصلني أنه لا يمكن الاتصال به الآن ......
جاءتني عائشة بكوب من العصير ....
سألتها : كيف سافرت ومن أوصلها للمطار ؟
عائشة : محمد (سائقها و زوج عائشة ) و مستر طلال ( ابن عمي )
صحت بها : وليه ما قلتي كذا من الأول ؟
عائشة : أنا كنت أفكر أنكم تعرفون ؟
حاولت الاتصال بطلال ...ولكن هاتفه لا يرد ....مقفل ؟!!
اتصلت في عمي اسأل عن طلال
قال لي عمي : ...طلال سافر قبل ثلاثة أيام إلى الخارج في بعثة .....
أخبرته أنها كانت معه !!!!
زاد قلقي ...,زادت حيرتي ....
هل ذهبت معه ؟ مستحيل ...أعرفها لا تحب أن تكون مع أحد !! لا ترتاح إلا بمفردها ؟
بدأت الاتصالات تنهال ...من أعمامي وعمتي سعاد ...الكل يسأل : هل عرفتِ أين ذهبت عمتك شوق ؟
كان ودي أصرخ فبهم جميعاً :الآن تسألون عنها أين ذهبت ...وهي لها ثلاثة أيام غائبة عن البيت ....
وعائشة تقول أنه منذ أكثر من شهر لم يدخل لشقتها أحد .....
ابتلعت كلماتي بحسرة وألم وسكت ...لم استطع معاتبة أحد..
ولكني بعد ساعة لم اعد الاحتمال ..أنهرت باكية ...
جاءتني عائشة مواسية ...مدت يدها بسلسلة مفاتيح وهي تقول ...مس شوق قالت لي هذا أعطيه لك لما تجين !!!
مددت يدي والتقطت سلسلة المفاتيح التي أعرفها تماما ....فقد أهديتها لها قبل عدة سنوات
توجهت لغرفتها ..فتحت الباب ...
قشعريرة اجتاحت جسمي ...وأنا أدخل للغرفة ... مرتبة منظمة حالمة كما عهدتها .... كانت تمثل لها محراب ....مكان مقدس ....تهتم بها غاية الاهتمام.....
عبق عطرها يملأ الغرفة .... روحها أشعر أنها تهيم في فضاءها ...صوت فيروز وهو يشدو ما زال يتردد صداه بين جنباتها ..
ملجأها الوحيد عندما ...تفرح أو تحزن ...تتأمل أو تخطط ... غاضبة أو هادئة ....
كانت تقول لي ضاحكة ...ليس لدي حضن يشاركني مشاعري وأحاسيسي ....جدران صومعتي هي حضني الآمن ....
كنت أغضب وأقول لها : وأنا .....
تقهقه بصوت عالي وتقول لي : أنا حضنك ....ولكنك أصغر من أن تكوني حضني !!
لم أفهمها في ذلك الوقت....أو أنني فهمتها بالمعنى الحسي للكلمة
قلبت نظري في الغرفة ....في أحد جوانبها كانت هناك حقيبة موضوعة بجانب الجدار..
وعلى طاولة صغيرة في الطرف الآخر توجد علبتين كرتونيتين فوق بعض .....
مددت يدي إلى الدولاب ..كانت يداي ترتعش ...وفتحته ...وما كنت أخشاه وجدته ....كان فارغاً ..
اتجهت نحو باقي الأدراج والخزانات ...كلها فارغة ...
كانت عائشة قد أقبلت لتقول لي : مس شوق ...أخرجت كل ملابسها ..وأشياءها من الغرفة ... لأنها قالت أنها تريد أن تجدد كل شئ !!
لم أرد عليها ...ما زلت مصدومة مما أرى ...
تركتني عائشة وذهبت .....
اقتربت من الطاولة كان فوق العلبتين ...ظرف صغير .....
أخذته ونظرت فيه ...كانت رسالة ...وعلى الظرف كتبت عمتي بخطها الأنيق .....
إلى بسمة أيامي ...وأجمل أحلامي .... بسمة ....
جلستُ على طرف السرير ....لم تعد قدماي تحملني .... فتحت الظرف .....
بسم الله الرحمن الرحيم
يا بسمة عمري .....
أعلم أنك ستغضبين كثيرا ...مما فعلت ...ولكن اعذريني يا بسمتي الغالية ...
ستجدين أمامك حقيبة بزاوية الغرفة ...فيها بعض التذكارات الغالية علينا أنا وأنت وبعض الصور للحظات رائعة جمعتنا لم استطع التصرف فيها ..وبعض الأشياء الخاصة تصرفي فيها كما تشائين ..
وأمامك على الطاولة علبتان تحوي كل منهما ألبوم للصور ...
لا تتعجبي ....
هذان الألبومان يجمعان شتات سنين عمتك ....
ستعرفين ماذا يوجد خلف جدار القوة ...والحكمة ..والعقل ...اللذان تداريت خلفهما سنين
وسيبينان لك ما لم تدركيه من خفايا نفسي ...
الأول أسميته ...بسمة عمري ...وأظنك استوحيتي من أسمه ما يحويه
أما الثاني فأسميته ....... انتظار واعتذار ...
هذان أغلى ما عندي ...وهما لك .....واعلم أنهما سيكونان غاليان عليك أيضا ......
عمتك المحبة للأبد / شوق
شعرت بقلبي ينقبض ....وريقي يجف ....أعدت الرسالة لمكانها ......
ما أن هممت أن أمد يدي على الألبوم الأول ...
حتى جاءتني عائشة قائلة :مستر عبدالله ..ومستر عبدالرحمن ...برى ....<<<أبي وعمي
خرجت لهما ...بخطى ثقيلة ....لم أكن أود رؤيته أحد ....
بعد التحايا الباردة جلست مجبرة أمامهما ....
قال عمي عبد الرحمن : كلمت ولدي طلال ....
ولأول مرة أرفع عيني إليهما باهتمام : ايه ...ماذا قال ؟
عمي عبد الرحمن : هو يقول كان ضروري يروح للرياض قبل سفره للخارج وعمته طلبت منه يوصلها للرياض لأنها بتزور احدى صديقاتها بالمستشفى التخصصي وبعدها بتقضي يومين عند سالم ولد عمتك سعاد ...
حتى أنه أوصلها للمستشفى وراح على طول ....على أساس أن سالم بيجي يأخذها لما تخلص من الزيارة ..
قلت باهتمام : يعني هي عند سالم اللحين ؟
رد أبوي بحزن : لا ...ما هي عنده ...أحنا اتصلنا فيه وقال ما شافها ولا اتصلت فيه ....
رديت بحدة : وبعدين وين راحت ؟؟اختفت يعني ؟
الجـــــــــزء الثاني
رد أبوي مهدئاً لي : بكرة بنسافر الرياض ونعرف وين راحت ؟
عمي عبد الرحمن : ما أدري وش جاها هالبنت مرة وحدة استخفت ....تروح ولا تقول لأحد ؟
قلت بقهر : هي لو لقيت أحد يسأل عنها أو يهتم فيها ما كان سوت كذا .....كم لكم ما دخلتم شقتها ...ولا سألتم عنها ؟!!
تبادل أبي وعمي النظر ...ونكسا رأسيهما بصمت ...
تكهرب الجو بيننا ...أنقذ رنين الهاتف الجميع ..... أسرعت أرد على الهاتف ....
زوجي عمر: السلام عليكم .......اشتقنا
أحسست الآن بشدة حاجتي إليه : عمر وينك ؟!! تعال ....
شعر هو بالغصة في صوتي : خير ...ايش فيك ؟
قلت له مطمئنة : خير إن شاء الله بس تعال لا تتأخر ؟ أحتاجك !!
رد علي : دقائق وأكون عندكم .....
خرج أبي وعمي !! وهما يودعاني لم أستطع رفع عيني فيهما خشيت أن تجرحهما نظراتي المقهورة
بعد دقائق دق جرس الباب...
ما أن رأيته حتى ارتميت في حضنه باكية ..وكأن دموعي أبت إلا أن تسيل أمام من تعز عليه ويقدرها ....
عمر بقلق وهو يمسح على رأسي : خير ايش صار ؟
أخبرته من بين دموعي باختفاء عمتي شوق ....
عمر وهو يحاول طمأنتي : يمكن تكون راحت عند صديقتها اللي في المستشفى وظلت معها ..أو خرجت معها لبيتها ..تطمني ..صدقيني أنها بخير ...لو فيها شئ لا سمح الله كان وصلت الأخبار ...
كأن حديثه طمأنني ...رفعت عيني له مستبشرة .....تناسيت الرسالة ..لم أذكر امرها لأحد ...
عمر وهو يبتسم : بكرة نسافر الرياض ...
وأنا غير مصدقة : صحيح ...بالله بنسافر الرياض ...
قلت وكأني اعتذر : بس كل مخططاتك بتتغير ..وتتلخبط
رد مازحا ومقلدا لي : علشان خاطر عيون الغاليين ...هذي شوق اللي كانت السبب في زواجنا ....
نظرت له من طرف عيني : وأنا صادقة ..هي كل أهلي وناسي لولاها ما كان أنا وافقت أتزوج
عمر وهو يضحك : وأنا ما قلت شئ ...أعترف
قلت له : وين سنبات الليلة ؟
عمر وهو يغمز لي مبتسما : على كيفك ...حجز الفندق موجود ....
قلت له : دقائق وأكون جاهزة
حاولت أن أقاوم شعور الحزن والكآبة اللذان سيطرا علي وأن أرضيه ...
خاصة وأن عمتي غير موجودة ما فيه أي داعي لبقائي في الشقة ....
دخلت غرفة عمتي وضعت الألبومين في كيس كبير وأخذتهما معي ...بعد أن قفلت الغرفة كما كانت ...
خرجت مع زوجي ....
لم استطع الاستمتاع بالعشاء ...كما لم أتمكن من النوم ....ظللت منتبهة في فراشي حتى منتصف الليل تقريبا ً...عندما شعرت أن عمر استغرق في النوم ....
تسللت من السرير ..وأخذت الكيس وخرجت للصالة ....
أخرجت الألبوم الأول ... بسمتي ......
كان عمل فني رائع ...يبدو أن عمتي بذلت في إعداده مجهودا كبيرا...
كان كل صفحة تعبر عن سنة من سنوات عمري ... تحوي على صورة تتوسط الصفحة تحيط بها بعض الصور الأخرى لي في نفس السنة ,,,مع سطور بخط عمتي لأهم ما حدث لي في هذا العام .....
ففي الصفحة الأولى مثلاً ....
صورتي وأنا مولودة بين يدي عمتي شوق ...
كانت صورة ساحرة لفتاة صغيرة في السادسة عشر تحمل بين يديها طفلة عمرها على الأكثر أسبوع والابتسامة تنير وجهها ...وكأنها تحمل بين يديها جوهرة غالية ...
وكان في الصفحة صور أخرى لي خلال العام ...وأنا أحبو ...آكل ..ألعب ...
كتبت في آخر الصفحة ....
دنيا عجيبة .... أحزان وأفراح ... تنبثق في النفس في اللحظة ذاتها ....
أقبل أخي بالمولودة ...والحزن يعتصر قلبه على فقد أمها .....وتركها لنا أنا وأمي
على قدر حزني لموت زوجة أخي ...كانت فرحتي بهذه الغالية ....
صارت سلوتي ...فلا أحد عندي أهتم به أو يهتم بي ....فأمي ومنذ سنتين انشغلت بوالدي المشلول ...
وأنا أصغر أخوتي ....فارق العمر الكبير بيننا ...ومشاغل الحياة ...أبعدتهم عني وأبعدتني عنهم
أسميتها بسمة تفاؤلا ببسمتها الرائعة ...التي طالعتني بها عندما حملتها بين يدي...
.....وصارت ...........بسمتي ...وسلوتي ولعبتي المفضلة ....فهي بين يدي طوال الوقت
وهنا تذكرت ما كانت تحكيه لي جدتي من مواقف وقصص حدثت لعمتي ولي خلال هذا العام ....
فقد كانت عمتي شوق بالثانوية ولا يوجد بالبيت خادمة وقد عانت كثير هذه السنة فهي تسهر طول الليل للمذاكرة ..ثم تذهب للمدرسة وتعود للعناية بي ومساعدة جدتي في خدمة البيت وجدي ..
وكانت أحيانا تنام من الإرهاق كالمغمى عليها ...وقد لا تصحو على صياحي بجوارها ..وما ينقذني إلا جدتي التي تحضر على صوتي الصارخ بينما عمتي التي تكون قد وضعت راسها على مكتبها لم تسمعني ...
كنت أضحك علي هذه المواقف ...واطلب الثأر منها ...لأنها تركتني أبكي طويلا ....
لم أفكر طويلا بمعاناتها ...خلال هذه الفترة ...
مسحت دمعت انحدرت من عيني ..وأكملت تصفحي
تنقلت بين الصفحات ....
متتبعة بالصور مراحل نموي ...وكأني أعيش هذه اللحظات من خلال تصوير عمتي وكلماتها ...
استوقفتني الصفحة السابعة ....
كنت بزي المدرسة ...
وصور أخرى حول الصورة الرئيسية ..وأنا أكتب ...اقرأ ...أرسم ...مع صديقاتي ....
أوعائدة بزي مدرسي قذر >>>>من الشقاوة والمضاربات مع البنات آخر النهار ....
كتبت عمتي في هذه الصفحة ...
اليوم أنا وبسمة نذهب للمدرسة معا لأول مرة...
أنا معلمة ...وهي متعلمة ....
ولكن ستكون أجمل وأذكى متعلمة ....
كم كنت طفلة جميلة وشقية <<<< فكرت بكل فخر وغرور أريد أبنائي مثلي وسأكون أم كعمتي شوق
أكملت التصفح ...
في الصفحة الخامسة عشر ...
كانت صورتي رائعة ....
بداية سن المراهقة ...نظرات حالمة .....حركات ..ولبس وشياكة ...
كانت عمتي بجواري ..بس عيونها بها الصورة كان فيها حزن ....وفراغ كبيررررررررر
كانت تحضنني بيد وكأنها خائفة من شئ ...وتطمئن نفسها بي
بآخر الصفحة كتبت ....
ما زالت الدنيا تريني عجائبها ...
هاهي تجمع لي الفرح والحزن في لحظة واحدة ....
اليوم بلغت بسمتي 15 عاما وتخرجت من المتوسط ...وهاهو أبي ...ينتقل إلى جوار ربه ....
أبوي ..... سندي وتاج راسي ....افتقدك يا غالي ....أفتقد للأمان ... للاهتمام ... للهفة ....
تذكرت هذا اليوم ...وكأنه بالأمس القريب ..فبعد الاحتفال الذي أعدته عمتي لي ولصديقاتي بمناسبة نجاحي وخروجهن من بيتنا ...ذهبنا أنا وهي لغرفة جدي ...جلست عمتي شوق بجوار جدي أمسكت يديه ...قبلتهما ... نظرت إليه بحب وحنان وقالت : أبوي هذه بسمة نجحت من المتوسطة وبتنتقل للثانوية وما شاء الله نسبتها عالية ...
قلت ضاحكة : طالعة على عمتي ....ذكية
جدتي : وكيف ما تصير متفوقة وأنت ليل ونهار معاها ومهتمة فيها كل ها الاهتمام
كان جدي ينظر للأفق ...ويبتسم ...
اقتربت منه شوق وقالت ...أبوي ...تسمعني ؟!!
ما رد عليها جدي ....نظرت بخوف لجدتي وقالت : يمه ..أبوي شكله تعبان
اقتربت جدتي من السرير مدت يدها لجدي ...وأدركت مالم تدركه عمتي ...
جدتي : روحي يا شوق كلمي أخوانك يجيون ...ويجيبون الطبيب ,,,روحي معاها يا بسمة !!
قالت عمتي : أنا بأقول للسواق ...ما فيه داعي لأخواني..لأنهم مشغولين كالعادة ...
جدتي بحدة : شوق ..أخوانك...
انتهى كل شئ قي ساعات ....ومع الفجر كانت شقتنا تودع جدي ....
في ذلك اليوم رأيت الحزن يمزق قلب عمتي .....ويدمر قوتها ....
كانت تبكي بحرقة و بصمت ....دموع غزيرة وشهقات مكبوتة ...
لم أفهم سر ذلك الحزن الطاغي الذي لازمها سنين ....
كان أكثر حزني ....لحزنها ..
رحمك الله يا جدي ...بعده بعام واحد واحد توفيت جدتي رحمهما الله ....
تابعت تقليب صفحات الألبوم ......
استوقفتني الصفحة الثامنة عشر .....
يوووووووووووه أصبحت تلك الطفلة عروس .....وما زالت عمتي شابة جميلة تقف بجانبي ...تحضنني
بل كأنني أراها تحملني في عينيها لأستقر داخلها وأسكن روحها .....
كانت صورة زيي المدرسي الأخير الملطخ بالتواقيع والرسوم والممزق الأطراف... تثير العجب والضحك ...يالله ما أجملها من أيام ....
كتبت عمتي بآخر الصفحة ...
اليوم ستنطلق بسمتي لتحقق أول طموحاتها ....وتضع قدميها على أول دروب الحياة ...
لن يقف أحد في طريقها كما وقفوا في طريقي ولن يحدد لها أحد التخصص الذي ستختار...
انطلقي يا بسمتي وربي يرعاك ....وسأكون معك .... لأحقق لك كل ما لم أستطع تحقيقه لنفسي ...
رجعت لذاكرتي أحداث ذلك اليوم ...فبعد انتهاء حفلة النجاح التي أعدتها
لي عمتي ....وخروج صديقاتي ... حضر أبي ........ أبي الذي لا أراه إلا كل عدة أشهر مرة واحدة ساعة أو ساعتين فهو مشغول بزوجته وأبناءه ...وأعماله ....
حضر أبي ... ومعه هدية لي ...
سألني : ها وش التخصص اللي بتدرسينه ؟
قلت بكل فخر : طبعا نسبة مثل نسبتي .....ممكن ادخل اللي أبغى ...بس أنا أحب ..... اللغات
رد أبي بحدة : وش هذا بعد ..أقول ادخلي كلية معلمات ..ابرك لك !!
تحفزت للرد على أبي ....ولكن إشارة من يد عمتي شوق أوقفتني ..
عمتي : بسمة ...قومي لغرفتك
وبعد أن دخلت لغرفتي ....سمعت صوت عمتي يعلو لأول مرة في حديثها مع أبي .....
فهمت من الكلام اللي سمعته .....أن عمتي وقفت بشدة بوجه أبي حتى ادخل التخصص اللي أتمناه ...
عمتي : بسمة بنتي ....واللي تحب تدرسه بتدرسه ...وما بيصير لها اللي صار لي....
أبوي : وش قصدك ؟؟
عمتي شوق : ما اقصد شئ ....ما عليك مني اللحين
بس بسمة على المجهود الذي بذلته تستاهل تختار التخصص اللي تبغاه ...... ....
وبعدين وش فيه التخصص اللي اختارته ؟؟!!
يعني هي ما أختارت الطب ..مع أنها لو أختارته ...مافيه أي مانع
أبوي : وش تقولين !! وش بتكون بالمستقبل ؟
عمتي : المستقبل بيد ربنا ...خلها تتوكل على ربها وتدرس التخصص اللي هي تحبه ..
ومو ضروري تحط ببالك أن كل البنات لازم يكونوا معلمات ....البلد تحتاج كثير من التخصصات ....
طبيبات ..إداريات ..مترجمات ..ممرضات ..
واللغات من التخصصات النادرة اللي يحتاجها البلد ...خاصة الانجليزي والفرنسي ..
طبعا استمر النقاش فترة بينهم ....بس في النهاية أبوي وافق ...
الله ما أعظمك يا عمتي شوق ....
ساعدتني خلال دراستي بكل ما يمكنها ..أحضرت لي معلمة خاصة ...وانضممت لدورات بمعاهد لغات متطورة ...وفرت لي برامج كمبيوتر ...وأهم شئ دعمها وتشجيعها المستمر لي .....
الصفحة الأخيرة كانت مميزة ...........
كانت صفحتين متقابلتين ...
إحداهما وأنا بملابس التخرج ...والثانية ...وأنا بفستان العرس ...........
كانت الصور رائعة .... خاصة وأن عمتي شوق كانت بجواري ........
لم تكتب سوى جملة واحدة ..............
(( وتـحـقق الحــلـــم ))
|