المنتدى :
القصص المكتمله
لا أريد القمر بقلم اشرف نبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أريد القمر
كان النهار قد قارب على الانتصاف وهو مستلقي فوق السرير محملقا في السقف بلا تركيز ، يتابع في إنصات تداخل ضجيج الباعه بأصواتهم المتحشرجه مع طنين الذباب الذي إزداد عدده عبر نافذته التي تطل بأرتفاع أقل من مترين على الشارع ، إلتفت ببطء جهة النافذه لمح تطاير أوراق الملوخية التي وضعتها زوجته لتجف بالأمس قبل أن ترحل، نمت على شفتية ابتسامة سخرية غلفتها مرارة ألم عبر نظراته المنكسرة
لم تكن حياتة مثالية ولولا بعض الأيام التي كان يجد فيها عمل عند هذا أو ذاك لما صبرت زوجته علية طيلة ست سنوات ، وهو كثيرا ما كان يذكر لها هذا وهو يهمس في لياليهم المميزه بأنها بنت أصول ومن بيت طيب ، وأنه سيعوضها عن صبرها على حالهم ، كانت تنتشي لسماع تلك الكلمات ، وإن كانت في قرارة نفسها تدرك أنها كلها وعود لن يتحقق منها شيئ ، ورث عن جده الكبير حبه للقراءة وحرفية التعبير عن ما يجول بخاطره ببراعه ، وقد كانت تلك المزيه تدر عليه أحيانا بعض الرزق لكنه رزق متقطع ، حين يعجز أحدهم عن صياغة خطاب أو كتابة شكوي ،
حتي أتي هذا اليوم الذي حضر فيه ندوة بأحد المقاهي لأديب شاب ، كان يحاول أن يجذب الإنتباه لروايته التي نشرها قبل شهر وحققت بعض النجاح ، وأسهب في وصف أثر الرواية والتجديد الذي أحدثة ، وقام بتوزيع بعض النسخ على الحاضرين ، كانت إحداها من نصيبه ، حين قرأها أدرك إنه بوسعه هو أيضا أن يكتب فهو أفضل بكثير من هذا المهرج الذي ظل يتحدث بتقعر قرابة الساعتين ، ولم يقل شيئا ، بدأ يخط روايته الاولى بهمه ، لم تعهدها زوجته فيه ،و لم يكن يلتفت لحديث زوجته المحبط كلما رأته جالسا وبيده الأوراق والقلم ، فقد كانت تحثه دوما على ترك هذا الهراء والبحث عن عمل ، وهو كان يرد أحيانا وفي أحيان اخري يكتفي بالنظر إليها شذرا وهو يكيل لها تهم الجهل والغباء ،
لم يمض شهرين إلا وكان قد أنتهي من سطر روايته الأولي ، حملها بين يديه فرحا وأخذ يقبل أوراقها وهو يحلم بأن تحقق له المجد والثراء ، أما زوجته فقد كانت تنظر إليه وهي تمصمص شفتيها وتبتسم بسخرية ، لكن تلك النظرات لم تكن تزيده إلا تصميما ، حمل روايته وذهب إلى دار نشر نظر إليه صاحبها في إحتقار وهيئته الرثة تنبيء عن ما يحملة ، ضحك بسخرية وهو يقلب في الاوراق ثم أعادها إليه وهو يعتذر ، لم يياس أمضي شهرا في البحث عن دار نشر تقبل روايته ، وبدلا من طلبه ثمنا لروايته في البداية ، أصبح يطلب نشرها وأخذ نصيبه من ريعها بعد البيع ، ثم تطور الأمر إلى إنه بدأ يطلب مجرد نشرها وتنازله عن جميع حقوقه ، كان يحلم بأن يكتب غيرها المهم أن تحقق له هذه الرواية معرفة لدي الجميع بقدراته التي كان يؤمن بها ،
في النهاية نصحة أحدهم بأن يقوم هو بنفسه بتحمل تكلفة النشر كاملة وإذا نجحت روايته فان طبعة ثانيه أو رواية أخري ستعوضه ، سمع النصيحة وقد خاب أمله ، فمن أين له تكاليف الطباعة ، وهو بالكاد يجد ما يسد رمقه هو وزوجته وولده ، حمل أوراقة وعاد إلى بيته ، ألقى بالاوارق في زاوية الحجرة ، ومكث حزينا عدة أيام ، كانت زوجته خلالها تخفف عنه تارة ، وتحفزه تارة لإيجاد عمل يكفيهم مذلة السؤال وتكفف الجيران ، ولا تنسي تذكيره بأنها كثيرا ما نصحته أن يلتفت لعمله ويترك تلك الوساوس ، لكنه وكما تعاتبه دوما صوته من رأسه ولا يستمع للنصح أبدا.
مضت أيامه كئيبة يعمل يوما وأياما لا يجد ما يكفيه هو و زوجته وأبنه الوحيد ، كان الحزن يعتصره ، والألم يلفه حتي في تلك الليإلى التي كان يجلس مع زوجته وولده لمشاهدة التفاز القديم الوحيد من طرازه على مستوي البسيطه ، والذي كان مثار تعلىق زوجته المستمر ولمزها دوما بأن المتحف أولي به من بيتهم ، حتي في تلك الليالى كان يبدو ساهما مكفهر الوجه ، وهو يحاول أن يجد سبيلا لتحقيق حلمه الذي أمن به وهو أن يصبح كاتبا وتنشر روياته ويحقق حلمه بالثراء من بيعها ،
حتي أتي يوما وهو يشاهد التلفاز وجد أعلانا عن مسابقة للرواية جائزتها ماليه ، أعتدل في جلسته ، أصاخ سمعه ، قام إلى الاوراق وبدأ يكتب العنوان ، نظرت إليه زوجته في تعجب وهزت رأسها في أسى وهي تتحسر على عقل زوجها ، لم يعرها أهتماما ، في صباح اليوم التالى توجه إلى العنوان وقام بتقديم روايته ، أستلمتها الموظفة بأمتعاض ، سألها بلهفة عن تاريخ أعلان النتيجه ، ردت بأقتضاب سيعلن عنها في التلفاز ،
ظل ينتظر كل ليلة تحقق حلمه ، حتى أتت ليله وهو جالس يحتسي الشاي مع زوجته وجد تنويه عن نتائج المسابقة ، هب واقفا اقترب من التلفاز وهو يحدق مشدوها ، لقد فازت روايته بألف جنيه ، لم تصدق زوجتة نفسها ، قام إليها يحتضنها ويقبل أبنه وهو غير مصدق ، رقص فرحا ودمعت عيناها وهي تري لأول مره منذ زواجهما الحظ يبتسم لهما ،
باتت ليلتها تحلم بشراء كل ما حرمت منه ، وكل ما تمنت أن تشتريه لولدها ومنعتها الفاقة وضيق ذات اليد ، وعلى مقربة منها نام زوجها وعقله يعانق الحلم الذي سيطر عليه وهو أن ينشر روايته لقد واتته الفرصه ، ليحقق حلمة في الشهرة والثراء ، وغير بعيد كان أبنهما ينام قرير العين ، تلتقي أحلامهما فوق رأسه رغم تعارضها من أجل مستقبله .
حين فتح عينيه في الصباح وجد زوجته قد أعدت له فطورا بسيطا ، ربتت على صدره وهي توقظه ، أبتسم متعجبا في سعادة ، فهو لم يتلقى منها مثل هذه المعاملة منذ مرور شهر العسل وحتي اليوم ، أعتدل جالسا قبلها فوق وجنتها وهو يلمح كوب الشاي الذي حملته بيدها ، وهي تحثه على سرعة النهوض قبل أن يبرد ، قام متثاقلا غسل وجهه وعاد منتعشا ، جلس يحتسي الشاي وهو يتناول فطوره ، كانت تلقمة بيدها كلما توقف عن الأكل وقد لاحظت شروده ، سالته فيما يفكر؟ ومتي سيذهب لإستلام جائزته ؟ وهل ستأتي معه ليشتروا في طريق عودتهم كل ما هم بحاجه إليه ؟ كانت اسئلتها متلاحقه وهي تغسل أوراق الملوخيه ، ثم تنثرها فوق صفحة الجريدة لتجففها ، أما هو فقد كان ساهما لم يرد ، ذفر تنهيدة من صدره وهو يهم بالحديث ، كان يعلم أن ردة فعلها ستكون شديده فقد انتظرت هذا إليوم كثيرا ، حلمت بأن يكون لديهم مبلغ كهذا المبلغ لتحقق بعض أحلامها وهاهو يهم بأن يجهض كل أحلامها بكلمة ، تردد قليلا وتنحنح ، ثم ازدرد ريقه وهو يشير إليها ان تناوله كوبا من الماء، وضع الكوب بجواره ، ثم قال بصوت متقطع ربما سنؤجل شراء ما تحتاجينه لبعض الوقت ، لطمت صدرها بيدها وقد تفاجأت من حديثه ثم صاحت مستفهمه عن السبب ، أطرق للأرض وبصوت خفيض همس ساطبع الروايه ، لطمت خدها ولعنت حظها وهي تهدده بترك البيت في حال أصر على موقفه ، أغمض عينيه ولم يجب ، شعرت بأنه مصمم على ما أخبرها به ، لملمت ملابسها القليله ، أمسكت بيد ولدها الذي كان قد استيقظ على صراخها ، وخرجت ساخطة من الباب وقد أختلطت دموعها بندبها لحظها العاثر ، اما هو فقد أرتدي ملابسة في هدوء ، وخرج حاملا روايته ،
عند الظهيرة كان قد اتم ما عزم عليه إستلم المال ودفعه إلى إحدي دور النشر مع روايته ، طمانه صاحبها إنه في غضون أسبوعين ستكون الروايه بين يديه ، وعرض عليه أن يقوم بتوزيعها نظير نسبة ، كانت مشاعرة متضاربه وهو يشعر بأنه قريب من تحقيق حلمه ، وفي الوقت ذاته يشعر بالم فراق زوجته ، ألقى بجسده على السرير وقد جافاه النوم طول الليل ، وهاهو إليوم يفيق متذكرا كل ما دار بالأمس وكانه حلم ، تحسس وجهه كأنما يتأكد أنه مستيقظ ، قام إلى النافذه ، ابتسم وهو يرى الكل منشغل بعمله ، وتصايح الصبيه ذكره بولده ، خطا إلى ركن الحجرة جلس ساهما حزينا ، تناول القلم وقد واتته بعض الأفكار ، جلس يخط ولم يشعر إلا وقد أظلمت الحجرة بعدما أطل الليل ، شعر بالجوع نظر إلى الطاولة وجد كسرة خبز جافة تناولها ثم تبعها بكوب الماء الذي أحضرته له صباح الأمس ، أوى إلى سريره وقد أنهكته الوحده وفت الألم في عضده ،
أمضي الأسبوعين على تلك الحاله ، بعدما رفضت زوجته العودة ، وسمع تأنيب والدتها التي أتهمته بالأنانية والجحود ، كعادته كان يصحو ليبحث عن أن أي سبيل للرزق ، وإذ لم يوفق عاد إلى أوراقه وقلمه ، يمضي النهار هكذا فإذا أطل الليل تكوم على سريره وحيدا ، منصتا للصمت الذي كان يلف المكان بعد أن تهدأ حركة الماره بالشارع ، كان يمني نفسه كل ليله بنجاح روايته والثراء الذي ستدره عليه ، وكان عازما أن يحمل كل ما سيحصل عليه ويلقية بين يدي زوجته ، علها تصدقه وتؤمن بموهبته ،
حين أستلم أولي النسخ نظر إليها باعتزاز وفخر ، قلبها بين يديه ثم ضمها لصدره ، لمح الناشر الفرحه في عينيه ، همس ما رأيك ؟ هل نبدأ في التوزيع ؟ , اومئ إليه موافقا وانصرف بعدما أخذ بعض النسخ ،كان يود لو يعطي كل من يقابله نسخه وهو يصيح هذا أنا هذه روايتي ، فكر أن يذهب إلى زوجته لكنه تراجع فهي لا زالت غاضبه ، وقد عزم ألا يذهب إليها إلا وبيده أكثر مما كانت تحلم به من مال أذن لينتظر بيع الروايه ،
مرت الأيام تباعا وهو على حاله ، وإن ازداد شوقه إلى زوجته وولده ، بدأ إليأس يتسرب إلى نفسه ، كلما ذهب إلى الناشر يسلمه بضع جنيهات ، معتذرا بأن روايته لا تحقق الكثير ولا يباع منها إلا القليل ، شعر بأحباط ، لم يعد يهتم بالكتابة كما كان ، خجل من نفسه وشعوره بالتقصير في حق ولده وزوجته يكاد يخنقه هداه تفكيره للبحث عن عمل دائم ، راقته الفكره .
أمضى يومان يبحث بلا جدوى ، لكنه كان مصمما هذه المرة على إيجاد عمل يضمن به عودة زوجته وولده الذان افتقدهما كثيرا ، في إليوم الثالث لمح أعلان لأحد المصانع تطلب عمالا ، تقدم وهو يتضرع لله أن يوفقه للحصول على هذا العمل ، حين أستلم قرار التعين كاد يغشى عليه من شدة الفرح ، بعد شد وجذب عادت زوجته من بيت أهلها ، كانت تؤنبه طوال طريق عودتهم ، وكان هو يبتسم وينظر إلى الأرض ، حين ضمتهم الغرفة ، حاول أن يشرح لها ما فعله ولماذا ؟ ، لم تقتنع لكنها دارت ابتسامة رضا وهو يقسم لها أنه يحبها ويتمني لو يحضر لها قطعه من القمر ، همست ضاحكه لا أريد القمر كنت أريد فقط ملابس لي وللولد ، ربت على كتفها وهو يقبل رأسها ، أكملت كنت أريد أن اشاهد الممثلين ألوان ، أن نتعشي اذا تغدينا ، ضمها برفق وقد دمعت عيناه ، نام بجوارها وقد وسدها ذراعه ، حملقا في سقف الغرفة ، وقد أنصتا لضجيج الأصوات المنبعثة من الشارع ، أغمض عينيه في راحه ، أما هي فتبسمت وهي تتخيله يقدم لها قطعه من القمر.
اشرف نبوي
|